
الإعجاز التشريعي عبارة واسعة المجال تشمل كل ما شرعه الله تعالى لعباده، فهو بعبارة أخرى المنهج الذي أراده الله لعباده أن يسلكوه ويأتمروا به قال تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [ المائدة : 48 ] فالقرآن الكريم هو مصدر التشريع للمسلمين ثم يأتي بعده الحديث الشريف الذي خرج من مشكاة النبوة، وكلاهما مصدر تشريع وبيان لكل من آمن بالله وباليوم الآخر، فلا يمكن ولا يصح أن يعتقد المسلم إمكانية صدور منهج آخر من عند غير الله ليكون أصح من منهج الخالق؛ كيف ذلك والله تعالى هو الذي خلق وهو الذي يعلم ما يصلح لعباده؛ هذاما تقر به كل الفطر السليمة والعقول الصحيحة، لأن صاحب الصنعة هو أعلم بها وبدقائقها وبما ينفعها فيأمر به وبما يضرها فينهاها عنه، أرأيت لو أن إنساناً صنع جهازاً جديداً؛ ألا ترى أن الناس يسألونه عنها ولا يسألون أحداً سواه، ولله المثل الأعلى فما بالنا نحيد عن هذه القاعدة فيما يتعلق بأمورنا وما ينفعنا وما يضرنا؟ أليس الله هو خالقنا؟ أليس هو الذي ركب كل شيء فينا؟ أليس هو الذي خلق فسوى؟ { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] . فما بالنا عندما يتعلق الأمر بالتشريع نذهب نبحث عنالقوانين هنا وهناك مغترين بما تذيعه وسائل الإعلام من إعلانات روجت لها معاقل الإفساد والتآمر على البشرية، وأوكار التمرد على الخالق العظيم، ومؤتمرات إعلان الحرب على الله، كل ذلك تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان؛ وإنما هي نزغة من نزغات إبليس اللعين الذي أعلن على الملأ أن يغوي بني آدم بكل ما أوتي من كيد ودهاء حتى يخلد هو ومن اتبعه في نار جهنم التي أعدها الله تعالى لكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب. والأمر ببساطة لا يحتاج إلى كثير كلام لإقناع المقابل بالحجة الدامغة التي أظهرها الله سبحانه وأقامها على جميع الخلق وإنما يؤخرهم ليوم تشخص في الأبصار، قال تعالى : { وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ آل عمران : 176- 178 ] هذا هو السبب في إمهال الطغاة والمتكبرين، والذين اتخذوا لهم شركاء من دون الله يحلّون لهم ما حرم الله ويحرمون عليهم ما أحل الله، وقد سماهم القرآن شركاء فقال تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الشورى : 21 ] . تعريف الإعجاز وبيان أنواعهقد يخفى على البعض معنى الإعجاز فكان لا بد من بيانه ولو بشيء من الإيجاز؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولأن ما بعده مبني عليه ومتعلق به.جاء في قواميس اللغة في معنى العجز : أنه نقيض الحزم، تقول : عَجَز عن الأمر يعْجِزُ، إذا قصُر عنه ولم يدركه، والعجز الضعف، والإعجاز : الفَوْت والسَّبْق.والمعجزة في الشرع تعني : الأمر الخارق للعادة، يُعْجِزُ البشر متفرقين ومجتمعين عن الإتيان بمثله، يجعله الله على يد من يختاره لنبوته، دليلاً على صدقه وصحة رسالته. وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال من أُرسل إليهم، فلما كان السحر فاشيًا في قوم موسى جاءهم بما يناسبهم وما هم عليه، ومثل ذلك يقال في عيسى عليه السلام، لما كان الطب سائدًا في زمنه جاءهم بما يوافق أمرهم وحالهم. ولما كان العرب أرباب فصاحة وبلاغة وخطابة، جعل الله سبحانه معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، إلا أن معجزته صلى الله عليه وسلم إضافة إلى أنها جاءت موافقة لما كان عليه العرب من الفصاحة والبلاغة امتازت على غيرها من المعجزات بأمرين اثنين أولهما : أنها كانت معجزة عقلية لا حسية، وثانيهما : أنها جاءت للناس كافة وجاءت خالدة خلود الدهر والناس. والإعجاز في القرآن الكريم جاء على وجوه عدة؛ جاء من جهة اللفظ، ومن جهة المعنى، وجاء من جهة الإخبار، ومن جهات أخرى ليس هذا مقام تفصيلها.ففي جهة الإعجاز البياني والبلاغي نقف على العديد من الآيات التي تبين بلاغة القرآن المبين وبيانه الرفيع وتركيبه المعجز، وقد تحدى الإنس والجن مجتمعين على الإتيان بمثله فعجزوا عن ذلك، كما قال تعالى : { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }[ الإسراء : 88 ] وبهذه الآية وأمثالها ثبت التحدي للعرب المعاصرين لنزول القرآن ولمن بعدهم، وقطع كذلك بعجزهم عن الإتيان بمثله، على الرغم من كل ما أوتوه من وجوه الفصاحة والبلاغة والبيان. ومن وجوه الإعجاز التي جاء بها القرآن الكريم الإخبار عن الغيوب التي لا علم لأحد من المخلوقين بها، يستوي في ذلك غيوب الماضي، كالإخبار عن قصص الأنبياء وأنبائهم، وغيوب الحاضر، كإخباره عن أسرار المنافقين ومكائدهم، وأخبار المستقبل كإخباره عن أمور ستقع في المستقبل، كالتمكين للمؤمنين في الأرض، ودخول المسجد الأقصى بعد أن يأذن الله بذلك. ومن وجوه الإعجاز كذلك، الإعجاز التشريعي، فقد جاء القرآن هداية للناس أجمعين، واشتمل على أحكام تشريعية تكفل سعادة العباد في الدنيا والآخرة، وتفي باحتياجاتهم الزمانية والمكانية بخلاف ما عليه حال قوانين البشر وشرائعهم التي ظهر عجزها وما يزال عن معالجة متطلبات البشر، وثبت قصورها عن مسايرة الأوضاع المستجدة بين الحين والآخر، وصدق الله إذ يقول : { إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [ الإسراء : 9 ] .
0 التعليقات:
إرسال تعليق